المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستهديه ونستغفره ونسترشده ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ،وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ (1) ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾(2)
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ (3)
أما بعد:
فإن أحسن الكلام كلام الله سبحانه وتعالى ، وخير الهدي هدي محمد r، وشرّ الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعةٍ ضلالة ، وكل ضلالة في النار(1).
فهذا كتاب (( القول المبين في أخطاء المصلّين )) يتضمّن بيان أخطاء المصلين التي درجوا عليها ، من إحداث أقوال وأفعال مخترعة ، وفعْلِ بعض الأركان والسنن في غير مكانها ، أو على غير وجهها ، ولا يخفى أن محو اعتقاد غير الصواب من صدور العامّة ، بتمحيص الحقّ ، باب عظيم من أبواب الدّعوة إلى الخير .
وضمّنتُ كتابي هذا : التّنبيه على ترك كثير من المصلّين لكثير من السنن أحياناً ، والواجبات والأركان أحياناً أُخرى ، التي تفوّت عليهم الأجر العظيم ، والثّواب الجسيم ، بل توقعهم في الوزر والإثم ، إن كانت من القسم الآخر .
ولا يخفى عليك - عزيزي القارئ - أن الصّلاة هي اَّحد أركان الإسلام الخمسة - كما قال الرسول r - وأنها أولى الواجبات الإسلامية بعد التّوحيد ، وأنها إذا صلحت صلح عمل المسلم كله ، وإذا فسدت ، فسد عمله كله .
ولذا فهي جديرة بالاهتمام والاعتناء ، وخصوصاً أن كثيراً من البدع والمخالفات فيها فشت في النّاس ، وخصوصاً العامّة منهم ، وانطلاقاً من وجوب العناية بأمر العامة ، بالهدي والإرشاد ، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ، كتبتُ مبحثي هذا .
وقد جعلت مبحثي هذا في سبعة فصول :
الفصل الأوّل :
جماع أ خطاء المصلّين في ثيابهم وستر عوراتهم في الصّلاة ، وبيّنتُ فبه مخالفات المصلّين في ثيابهم ، وحصرتُها في النقاط التالية :
الصّلاة في الثّياب الحازقة التي تصف العورة .
الصّلاة في الثّياب الرقيقة الشّفافة .
الصّلاة والعورة مكشوفة ، وذكرتُ فيه ثلاث صور من دارجة من واقع النّاس المشاهد خلال صلاتهم .
صلاة مسبل الإزار.
سدل الثّوب والتلثّم في الصّلاة .
كف الثّوب في الصّلاة ((تشميره)) .
صلاة مكشوف العاتقين .
الصّلاة في الثّوب الذي عليه صورة ، واستطردتُ فتكلّمت تحت هذا العنوان عن حكم صلاة حامل الصّورة ، الصلاة في الثّوب المعصفر ، صلاة مكشوف الرأس .
أما الفصل الثاني :
فيدور حول جماع أخطاء المصلّين في أماكن صلاتهم ، واشتمل على التنبيه على ستة أخطاء ، يقع في الأولى منها : الرافضة المبتدعة ، وذكرتُه خوفاً من موافقة العوام لهم في هذا الخطأ ،الذي هو من البدع ، وحرصاً على رفع المسلم الملتزم التهمة عن نفسه ، وهذا الخطأ هو:
السجود على تربة كربلاء ، واتّخاذ قرص منها للسجود عليه عند الصلاة ، واعتقاد الأجر والفضل في ذلك .
ومن ثم نبهتُ على الأخطاء التالية :
الصلاة إلى أماكن عليها صور أو على سجادة فيها صور و نقوش ، أو في مكان فيه صور.
الصلاة على القبور و إليها .
تخصيص مكان للصّلاة في المسجد .
أخطاء المصلين في السترة .
الانحراف عن القبلة .
أما الفصل الثالث :
فيدور حول أخطاء المصلّين في صفة صلاتهم ، واعتنيت فيه بأخطاء المصلين من قيامهم للصلاة إلى التّسلم ، وقسمتُه إلى ست نقاط ، كانت على النحو التالي :
· الجهر بالنيّة ، والقول بوجوب مقارنتها مع تكبيرة الإحرام .
· عدم تحريك اللسان في التكبير وقراءة القرآن وسائر الأذكار .
· جملة من أخطاء المصلّين في القيام ، وبحثت تحته : ترك رفع اليدين عند التحريمة والركوع وعند الرفع منه ، إسبال اليدين وعدم وضعهما على الصدر أو تحته وفوق السرّة ، ترك دعاء الاستفتاح والاستعاذة قبل قراءة الفاتحة ، تكرير الفاتحة ، رفع البصر إلى السماء أو النّظر إلى غير مكان السّجود ، تغميض العينين في الصّلاة , كثرة الحركة والعبث في الصلاة .
· جملة من أخطاء المصلّين في الركوع والقيام منه , وبحثت تحته :
عدم تعمير الأركان , عدم الطمأنينة في الركوع والاعتدال منه ، القنوت الراتب وتركه عند النّوازل .
· جملة من أخطاء المصلّين في السجود ، وبحثت تحته :
عدم تمكين أعضاء السجود من الأرض ، عدم الطمأنينة في السجود ، أخطاء في كيفية السجود ، القول بوجوب كشف بعض أعضاء السجود أو بوجوب السجود على الأرض أو على نوعٍ منها , رفع شيء للمريض ليسجد عليه ، قول ((سبحان من لا يسهو ولا ينام)) في سجود السهو .
· جملة من أخطاء المصلّين في الجلوس والتشهد والتّسليم , وبحثت تحته الأخطاء والأغلاط التالية:
غلط قول ((السلام عليك أيها النبي)) في التشهد ، زيادة لفظ ((سيدنا)) في التشهد أو في الصّلاة على رسول r في الصلاة ، تنبيهات ، الإنكار على من يحرك سبابته في الصّلاة ، ثلاثة أخطاء في التسليم .
أما الفصل الرابع :
فيدور حول جماع أخطاء المصلّين في المسجد وصلاة الجماعة ، وقسمتُهُ إلى أربعة أقسام :
الأول : أخطاؤهم حتى إقامة الصّلاة ، وبحثتُ تحته :
جملة من أخطاء المؤذنين ومستمعي الأذان ، الإسراع في المشي إلى المسجد و تشبيك الأصابع فيه ، الخروج من المسجد عند الأذان ، دُخُول الرَّجُلَيْنِ المسجد وتقام الصلاة ويحرم الإمام وهما في مؤخره يتحدّثان ، ترك تحية المسجد والسّترة لها وللسّنة القبليّة ، قراءة سورة الإخلاص قبل إقامة الصّلاة ، صلاة النّافلة إذا أُقيمت الصّلاة ، التنفّل بعد طلوع الفجر بصلاةٍ لا سبب لها ؛ سوى ركعتي الفجر ، أكل الثّوم والبصل وما يؤذي المصلّين قبل الحضور للجماعة .
والثاني : أخطاؤهم من إقامة الصّلاة حتى تكبيرة الإحرام ، وبحثتُ تحته :
أخطاء مقيمي الصّلاة ومستمعيها ،عدم إتمام الصفوف وترك التراص وسد الفرج فيها ، ترك الصّلاة في الصف الأول ووقوف غير أولي النهى خلف الإمام فيه ، الصّلاة في الصّفوف المقطّعة ، الوقوف الطويل والدّعاء قبل تكبيرة الإحرام والهمهمة بكلماتٍ لا أصل لها .
والثالث : أخطاؤهم من تكبيرة الإحرام حتّى التّسليم ، وبحثتُ تحته :
غلط في النُّطق بـ (الله أكبر) في تكبيرة الإحرام وتكبيرات الانتقال , غلط الأئمة في الجهر والإسرار بالبسملة ، غلط في كيفية قراءة الفاتحة ، دعاء المأمومين أثناء قراءة الإمام الفاتحة وعند الانتهاء منها ، والتنبيه على أغلاط في التأمين وأثناء قراءة الإمام وفيها ، مسابقة الإمام ومساواته في أفعال الصّلاة ، تكبير المسبوق للإحرام وهو نازل إلى الرّكوع ، انشغال المسبوق بدعاء الاستفتاح وتأخّره عن اللحوق بصلاة الجماعة .
والرابع : أخطاؤهم في ثواب صلاة الجماعة ، وبعض أخطاء المتخلّفين عنها ، والتّشديد في حقّ مَنْ تركها ، وبحثت تحته :
ثواب الصلاة في بيت المقدس ، صلاة الجماعة في غير المساجد ، صلاة الجماعة الثانية وتعدد الجماعات في المسجد الواحد ،والأنفة عن الصّلاة خلف المخالف في المذهب التّشديد في التخلّف عن الجماعة .
أما الفصل الخامس :
فيدور حول جماع أخطاء المصلّين بعد الصّلاة ، جماعة كانت أم منفردة ، وبحثت فيه ستة أخطاء للمصلّين ، كانت كما يلي :
أخطاء المصلّين في السلام و المصافحة .
أخطاء المصلّين في التسبيح ، وفيه :
ترك التسبيح دبر الصلوات والاشتغال بالدّعاء .
خروج المأموم وانصرافه قبل انتقال الإمام عن القبلة .
الوصل بين الفريضة والنفل .
التسبيح بالشّمال والسبحة .
ومن ثم ذكرت فيه :
السجود للدعاء بعد الفراغ من الصلاّة .
السمر بعد صلاة العشاء .
التسبيح الجماعي والتّشويش على المصلّين .
المرور بين يدي المصلّين .
أما الفصل السادس :
فيدور حول جماع أخطاء المصلّين . في صلاة الجمعة والتّشديد في حقّ مَنْ تركها ،وبحثتُ فيه الأخطاء التالية :
تخلف آلاف من مشاهدي كرة القدم عن صلاة الجمعة .
تخلّف حرس الملوك والسّلاطين عن صلاة الجمعة ووقوفهم على أبواب المسجد ، حاملي السّلاح ،حراسة عليهم .
تخلف العروس عن صلاة الجمعة والجماعة ،جملة من أخطاء تفوّت على أصحابها ثواب الجمعة أو بعضه ، وذكرت تحته :
ترك التبكير لصلاة الجمعة ، ترك الاغتسال والتطيّب والتسوّك لصلاة الجمعة ،
الكلام وعدم الاستماع لخطيب الجمعة ، وفيه : الدوران على الناس بالماء وبصندوق لجمع التبرعات والإِمام يخطب ، تحدّث الرجلين مع بعضهما والإمام يخطب ، التسبيح وقراءة القرآن وردّ السّلام وتشميت العاطس والإمام يحطب ، النوم والإمام يخطب ، استدبار الإِمام والقبلة والإمام يخطب ، العبث بالحصى والسبحة ونحوهما والإمام يخطب ومن ثم ذكرت خطأ تخطّي الرّقاب وإيذاء المصلّين ، ومن ثم تعرّضتُ إلى :
سنة الجمعة القبليّة ، واعتنيتُ بشُبَهِ المثبتين لها ،وعملت على دحضها ، ومن ثم تكلمت عن أخطاء المصلّين في صلاة تحية المسجد يوم الجمعة . وحصرتُها بالنّقاط التالية :
تركها عند الدخول والإمام يخطب ، حثّ الخطيب للدّاخل على تركها ، الجلوس وصلاتها عند قعود الخطيب بين الخطبتين ،تأخيرها لإجابة المؤذّن و الشروع فيها عند بدء الخطيب للخطبة .
ومن ثم تعرضت لأخطاء الخطباء ، وقسمتها إلى : أخطاء قولية ، وأخطاء فعليّة ، ومن ثم ذكرت أخطاءهم في صلاة الجمعة .
وختمت هذا الفصل بأخطاء المصلّين في سنّة الجمعة البعديّة .
أما الفصل السابع والأخير :
فعالجتُ فيه أخطاءً تتعلّق بصلاة أهل الأعذار والصلوات الخاصة وغيرها من الإِفاضات والإِضافات ، وكان هذا الفصل بمثابة شذرات متفرّقات ، ومن ثم ختمتُ الكتاب بأحاديث موضوعات وواهيات دارجة على ألسنة الناس في الصلاة .
وقد رَعَيْتُ في كتابي هذا مجموعة أُمور :
أولاً : تعرّضتُ إلى الأخطاء الشّائعة الدّارجة ، وبيّنتُ الصّواب عقب ذكر الخطأ ، واخترتُ منها ما تكون الحاجة إلى معالجته ماسة ، والضّرورة إلى معرفته ملحة .
ثانياً : عرضت الأخطاء ومعالجتها عرضاً يناسب أهل العصر ، على اختلاف درجاتهم في الثّقافة والفهم .
ثالثاً : ليس كلُّ خطأ مبحوثٍ في هذا الكتاب ، يترتّبُ عليه بطلان الصّلاة أو الإثم ، وإنما فيه قسمٌ من المختلَف فيه بين العلماء ، وأشرتُ إلى الخلاف في الأعم الأغلب ، واعتبرتُ المختلَفَ فيه خطأ ، إن كان الدليلُ الصّحيحُ على خلافه ، أو لم يقم عليه دليل ، إذ الأصل في العبادات المنع ، حتى يأتي دليل الصحيح على مشروعيتها ، أو كان دليلُه غير صحيح ، أو غير ظاهر ، وهنالك أظهر منه ، أو كان الإجماع(1) على أن الأفضل خلافُهُ ، فعلاً كان أم تركاً ، ولكن الخلافَ في البطلان أو الحرمة ونحوهما ، إذ ليس مقصودُنا إلا ذكر ما يخالف هديه r الشائع بين المصلّين ، وتبيين الصواب فيه ، الذي كان يفعله r هو ، فإنه قِبلَةُ القصد ، إليه التوجُّهُ في هذا الكتاب ، وعليه مدارُ التّفتيش والطّلب ، وهذا شيء ، والجائز الذي لا ينكر فعلُه وتركُه شيء ، فنحن لم نتعرض في هذا الكتاب لما يجوز ، ولما يحرم(1)، وإنما مقصودُنا فيه هديُ النبي r الذي كان يختاره لنفسه ، فإنّه أكملُ الهدي وأفضلُه .
فبيّنتُ في هذا الكتاب كلّ فعل يفعله المصلّون مخالف لهدي النبي r وما أرشد إليه ، وأرجو إنْ تجنّب المصلى الأخطاء التي عالجتُها فيه ، أن يلمس أثر الصّلاة ، من طمأنينة قلب ، وراحة فؤاد في الدّنيا ، وأن تنقذ من مصائب الدّنيا ، وأهول القيامة ، وان تعمل على ذهاب سيّئاته ، وترتقي به إلى أعلى مقاماته . ولا بُدّ ـ أخي المُصلّي ـ من الوقوف على الخطأ لتجنّبه ، على حدّ قول الشاعر :
عـرفـتُ الـشـر لا لـلشـــ ــر لـكــن لـتــوقــيــه
ومـن لا يــعــرف الـشًّـرًّ مـن الـخيـر يـقـع فـيــه
وهذا المعنى مستقى من السنّة ، فقد قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه : كان النّاس يسألون رسول الله r عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني .
ولهذا كان من الضّروري جدّاً تنبيهُ المسلمين إلى أخطائهم في الأقوال والأفعال التي دخلت في الدّين ، خوفاً من خفائها على بعضهم فيقعوا فيها ، متقرّبين بها إلى الله سبحانه وتعالى !! ومن أهم ما ينبغي تبيينُه لهم : أخطاؤهم في الصّلاة ، وتكاسلهم عن هدي النبي r فيها ، لأن الصّلاة بمنزلة الهدية التي يتقرّب بها النّاسُ إلى ملوكهم وكبرائهم ، فليس مَنْ عمد إلى أفضل ما يقدر عليه ، فيزينه ويحسّنه ما استطاع ، ثم يتقرّب به إلى مَنْ يرجوه ويخافه ، كمن يعمد إلى أسقط ما عنده وأهونه عليه ،فيستريح منه ، ويبعثه إلى مَنْ لا يقع عنده بموقعٍ ، وليس مَنْ كانت الصَّلاةُ ربيعاً لقلبه وحياةً له ، وراحةً وقرةً لعينه ، وجلاءً لحزنه ، وذهاباً لهمّه وغمّه ، ومفزعاً إليه في نوائبه ونوازله ، كمن هي سُحْتٌ لقلبه ، وقيْدٌ لجوارحه ، وتكليف له ، وثقل عليه ، فهي كبيرة على هذا ، وقرة عين وراحة لذلك .
قال تعالى : ﴿ َاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ* الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾(2).
فإنما كبرت لخلوّ قلوبهم من محبّة الله تعالى وتكبير وتعظيمه والخشوع له وقلّة رغبتهم فيه ، فإن حضور العبد في الصّلاة وخشوعه فيها ، وتكميله لها ، واستفراغ وسعه في إقامتها وإتمامها على قدر رغبته في الله .
قال الأمام أحمد : إنما حظُّهُم من الإسلام على قدر حظّهم من الصّلاة ، ورغبتهم في الإسلام على قدر رغبتهم في الصّلاة ، فاعرف نفسك يا عبد الله ، احذر أن تلقى الله ـ عزّ وجلّ ـ ولا قدر للأسلام عندك ، فإن قدر الإسلام في قلبك كقدر الصّلاة في قلبك(1).
وقال أيضاً :واعلموا أنه لو أن رجلاً أحسن الصّلاة ، فأتمّها وأحكمها ، ثم نظر إلى مَنْ أساء في صلاته وضيَّعها ، وسبق الإمامَ فيها ، فسكت عنه ، ولم يعلّمه إساءته في صلاته ومسابقته الإمام فيها ، ولم ينهه عن ذلك ، ولم ينصحه ، شاركه في وزرها وعارها . فالمحسن في صلاته ، شريك المسيء في أساءته ، إذا لم ينهه ولم ينصحه(2).
فأنعم النّظر _ أخي المصلّي _ فيما سطرتُه في هذه الورقات ،فإن اقتنعتَ بها ، وخالطتْ بشاشة الإِيمانِ في قلبك ، فاعملْ على نشرها ، واحرص على تعليمها ، لا سيّما لمن لك سلطة عليه ، كأهل بيتك ، أو تلاميذك ، أو جمهور المصلّين ، إنْ كنت إماماً أو واعظاً ، فإن سكتّ، شاركتَ المسيئي صلاتهم في إثمهم _ والعياذ بالله تعالى _، كما قال إمامُ أهل السنّة أحمد بن حنبل.
وأخيراً … (( لاينبغي لأحدٍ من المسلمين أن يتّخذ من الخلاف في المسائل المبحوثة وأشباهها، وسيلة إلى النّزاع والتّهاجر والفرقة، فإن ذلك لا يجوز للمسلمين(3)، بل الواجب على الجميع بذل الجهود في التّعاون على البرّ والتّقوى ، وإيضاح الحق بدليله ، والحرص على صفاء القلوب وسلامتها من الغلّ والحقد من بعضهم على بعض ، كما أن الواجب الحذر من أسباب الفرقة والتهاجر ، لأن الله سبحانه ، أوجب على المسلمين ان يعتصموا بحبله جميعاً ، وأن لا يتفرقوا ، كما قال تعالى : ﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ ﴾(4).
وقال النبي r : (( إن الله يرضى لكم ثلاثاً : أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً ، وأن تعتصموا
بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا ، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ))(1)
فعلينا جميعاً ـ معشر المسلمين ـ أن نتقي الله ـ سبحانه ـ وأن نسير على طريقة السَّلف الصّالح قبلنا في التّمسك بالحق والدّعوة إليه ، والتّناصح فيما بيننا ، والحرص على معرفة الحق بدليله ، مع بقاء المحبّة والأخوّة الإيمانية ، وعدم التقاطع و التّهاجر من أجل مسألة فرعيّة ، قد يخفى فيها الدّليل على بعضنا ، فيحمله اجتهادُه على مخالفة أخيه في الحكم .
فنسأل الله بأسمائه الحسنى ، وصفاته العلى ،أن يزيدنا ـ وسائر المسلمين ـ هدايةً وتوفيقاً ، وأن يمنحنا جميعاً الفقه في دينه ، والثّبات عليه ، ونصرته ، والدّعوة إليه ، إنه وليّ ذلك ، والقادر عليه .
وصلى الله على نبيّنا محمد وآله وصحبه ، ومن اهتدى بهداه ، وعظّم سنّته إلى يوم الدّين ))(2)
(1) سورة آل عمران : آية رقم (102)
(2) سورة النساء : آية رقم (1)
(3) سورة الأحزاب : آية (70، 71)
(1) هذه خطبة الحاجة التي كان الرسول r يفتتح بها خطبه، ويعلّمها أصحابه ، وروى هذه الخطبة ستة من الصحابة _رضوان الله عليهم _ وقد أخرجها جمع من الأئمّة في مصنَّفاتهم, مثل
مسلم في ((الصحيح)): (6/153، 156- 157- مع شرح النّووي ) وأبو داود في السنن: (1/287) رقم (1097) والنسائي في (( المجتبى )): ( 3/104- 105 ) والحاكم في (( المستدرك )): ( 2/182- 183 ) و الطيالسي في (( المسند )): رقم (338) والبيهقي في ((السنن الكبرى )): (7/146) و (3/214) وابن ماجه في ((السنن)): (1/585).
(1) وقد اعتنيتُ عنايةً خاصّة بنقل عبارات أهل العلم المذكور فيها الإجماع .
(1) مع أننا ذكرنا ذلك إن كان هنالك دليل عليه ، ولكن مادة البحث ، والأخطاء التي عالجتُها في هذا الكتاب ، أوسع من ذلك ، كما سبق بياُنُةُ .
(2) سورة البقرة : آية رقم (45 ، 46) .
(1) الصلاة : (ص 42) والصلاة وحكم تاركها : (ص170 ـ 171) لابن القيّم .
(2) الصلاة : (ص40)
(3) انظر أدلة حرمة الجهر وأضراره وأثاره السيّئة على الفرد والمجتمع ، وبيان المشروع منه والممنوع في كتابنا ((الهجر في الكتاب والسنة )) أو (( إضاءة الشموع في بيان الهجر المشروع والممنوع )) ، نشرة دار ابن القيّم / الدّمام .
(4) سورة آل عمران : آية رقم (103) .
(1) أخرجه مسلم في ((الصحيح )) : (3/1340) رقم (1715) وأحمد في (( المسند )) : (2/367) .
(2) ما بين الهلالين من كلام فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز في (( ثلاث رسائل في الصّلاة )) : (ص15،16) بتصرفٍ يسيرٍ